لقد مضت ستة شهور تقريباً منذ أن ضربت أمواج المد البحري الهائل "تسونامي" 11 دولة مطلة على المحيط الهندي، مما أدى إلى مصرع 200 ألف شخص. وهذه الكارثة مست شغاف قلوبنا جميعاً كبشر، ودفعت 40 دولة تقريبا لتكليف وحدات عسكرية من قواتها المسلحة بتوفير الطعام والماء والمأوى للناجين من الكارثة، كما دفعت ملايين الأميركيين للتبرع بما يزيد على مليار دولار مساهمة منهم في جهود الإغاثة، وحثت ملايين غيرهم في مختلف أنحاء العالم على إرسال تبرعاتهم، وجعلت الأمم المتحدة ومعها مئات من المنظمات الخيرية تسارع إلى المنطقة لنجدة المنكوبين.
وهذه الاستجابة السريعة، كانت لها مردودات ضخمة منها على سبيل المثال تجنب حدوث مجاعة واسعة النطاق، والوقاية من انتشار الأوبئة.
بالطبع، لا يزال أمام جهود الإغاثة شوط طويل يتعين عليها أن تقطعه. فلا يزال هناك مئات الألوف من الناس بدون مساكن، وبدون عمل، وهناك حاجة إلى بناء الآلاف من المدارس لاستيعاب التلاميذ المنكوبين. ومن حسن الحظ أن الأمم المتحدة، والمؤسسات المالية الدولية، والحكومات، ومشروعات الأعمال والمؤسسات غير الحكومية، قد تعهدت بتقديم المليارات من الدولارات لمساعدة ضحايا تسونامي على "إعادة البناء بشكل أفضل".
وبصفتي مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة لجهود الإغاثة، فإنني أعمل من أجل الوفاء بهذا التعهد. وكي نحقق أهدافنا في هذا الخصوص، فإنني طلبت من جميع المنخرطين في جهود الإغاثة الالتزام بالأجندة التالية:
أولا، سنقوم بتطوير خطة عمل مشتركة، تحدد وبشكل مفصل المهام المطلوبة، والمكلفين بالتنفيذ ومكان التنفيذ وتوقيته وذلك حتى نتفادى الازدواجية في العمل، ونضمن تحقيق أفضل استخدام ممكن للموارد، ونقوم بإغاثة الجميع دون أن ننسى أي شخص أو مجتمع وراءنا.
فعلى سبيل المثال سوف نتفق على الحاجة إلى جهاز إنذار مبكر، وستحدد الخطة الخاصة بذلك الجهة المسؤولة عن توفير التمويل، وكيفية بناء النظام، وأين سيتم وضعه، وكيف سيقوم النظام بتحذير الناس في الواقع، ومن الذي سيشرف على صيانته، ويتأكد من إمكانية الاعتماد عليه.
كما أننا سنقوم بوضع نظام للتبليغ، للتأكد من استخدام التبرعات في أوجهها السليمة، كما سنعمل على تصميم بطاقة لتسجيل ما تم تحقيقه من أهداف، كي نعرف ما الذي أنجزناه، وما الذي لا زال يتعين علينا إنجازه.
ثانيا، سنعمل على استعادة مصادر الرزق للناجين من الكارثة، وتمويل الأنشطة الاقتصادية الجديدة، من أجل رفع الدخول العائلية فوق المستويات التي كانت موجودة قبل حدوث كارثة تسونامي، مع العمل في نفس الوقت على زيادة قدرة الحكومات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، ومشروعات الأعمال، على الاضطلاع بجهود إعادة الإعمار الهائلة.
وكي نقوم بتنويع الاقتصادات المنكوبة، فإننا بحاجه لتقديم قروض صغيرة، وتصميم نظام ائتمان مصغر، لإنشاء المشروعات الجديدة، أو التوسع في المشروعات القائمة حالياً. كما يجب علينا استعادة النشاط السياحي في المنطقة بكاملها، وخصوصا في جزر المالديف، حيث أدى تدمير المنازل والفنادق والمنشآت السياحية، وأنشطة صيد الأسماك، وغيرها من المشاريع إلى إلحاق خسائر بنسبة 60 في المئة من الناتج القومي الإجمالي السنوي لذلك البلد.
وأود أن أنوه هنا إلى أن الاستثمار في معظم المشروعات السياحية هناك مفتوح أمام الجميع، ولكن معظم الزائرين المتوقعين لهذه المنطقة لا يبدو أنهم يعرفون ذلك.
والحصول على وظائف للسكان المحليين في الأعمال والإنشاءات، سوف يحتاج منا إلى تنفيذ برامج كبيرة للتدريب المهني، لتخريج الآلاف من البنائين، والنجارين، والمشرفين، والعمال.
ثالثا، يجب علينا نقل الناجين من الكارثة من الخيام والثكنات التي يقيمون فيها حالياً، إلى مساكن إيواء مؤقتة لائقة وفي أسرع وقت ممكن. وعلى الرغم من أننا لا نزال نعاني من بعض التأخير الذي لا داعي له في الحصول على الموافقات الحكومية على العقود وعلى استيراد الماكينات والمواد، إلا أن الملاحظ أن عدد التعقيدات الإدارية يقل يوماً بعد يوم. والشيء الجيد في هذا السياق هو أن جميع الدول المنكوبة بدون استثناء لديها خطط جيدة، ولديها الأشخاص الأكفاء القادرون على تنفيذها.
بيد أن نقص المساكن لا يزال يمثل تحدياً حقيقياً. ففي العام الماضي وقبل حدوث كارثة تسونامي تم بناء 5000 مسكن في سيريلانكا. أما الآن فإن الناجين في سيريلانكا وحدها يحتاجون إلى 100 ألف مسكن تقريبا. وفي مقاطعة "آتشيه" في إندونيسيا هناك حاجة لبناء 2000 مدرسة و200 ألف مسكن. ويمكنني القول في هذا السياق وبدون مبالغة إن الولايات المتحدة ذاتها بإمكانياتها الهائلة كانت ستواجه صعوبات جمة في إعادة مليون شخص من أبنائها إلى مساكنهم في بحر عام أو عامين، لو كانت قد واجهت ظروفاً مماثلة.
من الأعباء الأخرى التي تواجهنا هنا، أن جهود الإعمار تحمل في طياتها مخاطر بيئية. فالأنشطة واسعة النطاق، وغير المقيدة لقطع الأشجار بغرض توفير الأخشاب اللازمة للإعمار، يمكن أن